❞ كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝  ⏤ عبد الوهاب المسيري

❞ كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝ ⏤ عبد الوهاب المسيري

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَى الله على من بُعث رحمة للعالمين ونورًا للصِّراط المستقيم. بسم الذي جعل الحياة الطيّبة لمن اتبع نبيّه والذلة والهوان والصغار على من خالفه.

يزخرُ التاريخ بالأحداث. يحدث الأمر أولًا ثم يؤثر في أطباع الناس وأفكارهم، أم أنّ أطباع الناس وأفكارهم وتغيُّراتها هي ما تصنع الأحداث؟ في البدء كانت البيضة أم الدجاجة؟ .

لطالما أهمَّت الدوافع الإنسان وكان تساؤله حولها. ما هي الدواعي والأفكار التي تُسيِّر المرء؟ ما حقيقة وكُنه الفكرة التي تدور في العقل البشري التي تجعلنا نتصرف بهذا النحو سواءً كان الفعل فرديًا أم جماعيًا؟.

يعدُّ كتاب “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر لعبد الوهاب المسيري” – مثلما قال- سيرة ذاتية غير موضوعية.. وهنا يكمن سحر الكتاب. باختصار مجحف، هذا الكتاب هو تحليل كامل للأحداث – ومن خلفها الأفكار المُسبِّبة لها، من خاطر الفكرة إلى تبلورها – التي مرت على المسيري في حياته وتحليلاته لها ورأيه في خلفيتها الفكرية ودوافعها النفسية.

هذه المراجعة هي محاولة – محتومٌ عليها بالفشل- تعريف بمجمل كتاب عظيم لمن لا يسعفه وقته لقراءته كاملًا.

حاولتُ في كثير من المواضع ذكر فكرة المسيري بطريقة أخرى لكن يأبى أسلوبه مثيلًا له. ستجد في غالبية المراجعة كلام المسيري مقتبسًا. لذا تلطيفًا لهذا الفشل؛ لنقل إنّ هذه المراجعة “تشويقة” لقراءة هذا الكتاب، لأنّ معرفة الأفكار النهائية لا يُنقص من متعة قراءة تطورها.

دمنهور.. رحابة البساطة

يبدأ المسيري بذكر البيئة التي تكوّنت فيها أفكاره.. أصلُها وبذورها.

كانت في دمنهور نشأته وتعليمه حتّى الثانوية. نشأ في عائلة ميسورة الحال حيث كان والده تاجرًا. تربَّى في مجتمعٍ تقليدي محافظ تحكمه العادات التي يذكر حسنها والتقاليد التي نظمت المجتمع وضبطته. كان – رحمه الله- معجبًا بقوة أمه وحكمتها وارتباطها الوثيق بعائلتها. خلال سيرته وفي أكثر من موضع تناول المسيري شؤون العائلة وبشكل أخص دور الأمِّ فيها، عمل المرأة والمقارنة بين وضعها في الماضي وحاضره. تحليله لكلاَ النموذجين ونظرته المتوازنة والواقعية أدى إلى اعتقاده الجازم أنّ ما كان شريَن أحلاهما مُر لابد من أن يكون لهما ثالث. يقول: ” وأرجو أن لا يفهم من ما أقول أنّني أدعو إلى العودة إلى الماضي..

كل ما أودُّ تأكيده هو أنّ المجتمعات التقليدية كانت تحوي منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها بالضرورة إلى مزيد من السعادة.

كما أودُّ الإشارة أن الأشكال الحضارية الحديثة (عادةً مستوردة) ليست هي الأشكال الحضارية الوحيدة، بل هناك أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئًا، والأهم من هذا أنّها قد تكون أكثر تجذّرًا، وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. ” .

يذكرنا المسيري بالماضي الجميل بحديثه عن بعض ذكريات طفولته.

“كان إيقاع الحياة في دمنهور هادئًا، فكان عندنا دائمًا متسع من الوقت”.

متسع من الوقت.. متسع من الوقت.. يا رب السّماء والأرض متسع من الوقت!

قد تكون الجملة أعلاه عادية في نظر البعض لكنها تشي باستقرار وطمأنينة وسُكون بَترَه القرن الواحد والعشرين. الجميع مشغول.. فعلًا مشغول.. في كلِّ شيء. جميع الأعمار والطبقات والأشخاص مشغولون على الدوام. لهثٌ بلا أيِّ توقف.

يذكر المسيري هذه الحالة بوضوح عندما قال: ” نجد أنّ يوم الإنسان الحديث يبدد تمامًا ويجرد من أي إيقاع إنساني، بل إنّه يهدد الحياة الأسرية ذاتها. “

أولع المسيري بالتاريخ وانشغل به. وسبب هذا الشغف أنّ الانشغال بالتاريخ يجعل المرء يرى حاضره “بحسبانه نقطة يلتقي فيها الماضي والمستقبل، وألاّ يُتصور أنّه عالَم بسيط يمكن اختزاله في قانون أو قانونين، وإنّما يراه من خلال عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز”. تأمل في أبسط الأحداث والعادات الاجتماعية.. سترى الماضي في جوهرها!.

الإسكندرية الزائغة

التحق المسيري بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية لإكمال تعليمه الجامعي. لك أن تتخيَّل النقلة من دمنهور القرية إلى الإسكندرية المصرية بالاسم والموقع فقط وأثرُ ذلك على المسيري. يحكي عن حياة الإسكندرية أنّها “جوٌّ كوزموبوليتاني زائغ لا جذور له يمكن أن يُثري الإنسان ويمكن أن يَبتلعه. “

يذكر المسيري عن جامعة الإسكندرية تنوعها وثراءها الاجتماعي والثقافي إضافةً إلى أنّ” التدريس فيها كان يأخذ شكل محاضرات حقيقية لا دروس إملاء” ” وكانت الأسئلة في الامتحانات تتطلب إجابة يُعمل فيها الإنسان عقله وخياله لا أن يجتر ما قاله الأساتذة من قبل.”

وهنا يأتي تساؤل الغالبية العظمى من طلاب جامعاتنا: ما الجدوى من حضور المحاضرة إن كان جُلُّ ما يفعله المدرس قراءة المنهج؟ القيمة المضافة للمدرّس الجامعي هو ذكر أمور إضافية خارجية مهمة في المجال وإن كان المنهج الدراسي لا يضمّنها.

سبب فقدان الشهادة الجامعية لثقلها في بلادنا وعدم مساواة نفعها لتعبها ومضنتها؛ أنّ التدريس الجامعي أصبح مهزلة باهظة الثمن، وثمنها جزء كبير من ميزانية الدولة ووقت وذهن الطلاب. ثم يأتي نظام تقييم الطلاب الذي لا تنطلق فلسفته من أنّ التعليم عملية مستمرة مستدامة وإنّما عملية عامل الوقت الضيق فيها هو الفيصل، عليك أن تعرف هذا الشهر هذا الموضوع وإن لم تفعل تخسر الدرجة إلى أبد الآبدين.. لا مجال للتَّأسي على ما فات ولا على مُداركة الأخطاء.

المجتمعات الأخرى (الأمريكية أنموذجًا)

أكمل المسيري دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وقصَ بعض ما عاشه هناك لفترة قاربت الخمسة عشر سنة. سياق ما يروي دائمًا يأتي كتأكيد لفكرة طرحها أو مستهل لفكرة سيتناولها. لهذه الآراء ثقلها لأنّه عايش المجتمع الأمريكي وعاش في أرضه مدة ليست بالقصيرة تؤهله ليعطي رأيًا يعتدّ به.

يميِّز المسيري بوضوح بين الفرد الأمريكي والحكومة الأمريكية، وأنّ الفرد الأمريكي بعد سنين طوال من الرأسمالية الطاحنة والإعلام والتضليل أصبح نتاج سياسات حكومته، والمحصِّلة النهائية هي إنسان محاصر بغربته حتى مع نفسه وأقرب المقربين. يقول: “وبرغم حبي لكثير من الأمريكيين (فهو شعب طيب نشيط متفتح الذهن) فإنّي وجدت أنّ النظام المهيمن يُجهض إنسانيتهم، ويخاطب أحط ما في الإنسان. “

تطرق المسيري إلى صراع نفسي يمر به – برأيي- الإنسان الحديث بصفة عامة وليس فقط الفرد الأمريكي. يكمن هذا الصراع في الطريقة التي يختلط بها الحابل بالنابل في تعامل المرء مع من حوله، فوجدانه – دون وعي منه- يتعامل مع زميله في العمل بنفس الطريقة التي يتعاطى بها مع أخيه. عرضٌ وطلب.. أخذ وعطاء. طرفي المعادلة ينبغي أن تتساوى مع الجميع بدون استثناء. كل نداءات البراغماتية المعلنة تبطنت في الوعي وأثمرت إنسانًا يتعامل مع الجميع بعقود سيكولوجية لا إرادية، وسيأتي ذكر هذه المعضلة المدمِّرة لمؤسسة الزواج والتي تقض أصلب أركانها: المودة والرّحمة.

إنّ الفرد الأمريكي يعيش ثنائية حادة: تعاقدية في الحياة العامة على مستوى النموذج المهيمن، و تراحمية في الحياة الخاصة على مستوى الممارسة الشخصية. ولكن هناك مجتمعات تجعل تحقيق مشاعر التراحم أمرًا عسيرًا على المرء ومجتمعات أخرى تيسِّر تحقيقها. وكلما ازداد التناقض بين النموذج والواقع، ازدادت الثنائية إلى أن تتحول إلى استقطاب. وهذا التناقض موجود في الولايات المتحدة بين النموذج التعاقدي من جهة، وحياة الإنسان الفرد المتعينة من جهة أخرى

جامعة كولومبيا..

” وعند وصولي عقدوا للطلبة الدارسين امتحانًا موضوعيًا تكون الإجابة فيه إمّا بنعم أو لا لتحديد مستواهم الثقافي واللغوي. ولكنني مرة أخرى نظرًا لثقتي بنفسي أخبرتهم أنّ الخلل ليس فيَ وإنّما في الامتحان، فهو امتحان سخيف لا يقيس مَقدرات الطالب الحقيقية وإنّما سرعة بديهته واستجابته، وأنّ السرعة غير العمق.

وكانت هذه من أولى المواجهات بيني وبين الحضارة الأمريكية بسذاجتها وأحاديتها وخيلائها.”

يصطدم الراغب بإكمال الدراسات العليا بعدد من الاختبارات المنغصة من هذا النوع. ثم يعرف المرء – رغم إنكاره الطويل إيمانًا بخبرة السابقين- أنّ النظام السائد ربّما وبكل بساطة يكون غير فعال أو موجود لأسباب أخرى ليس التعليم أهمها بالضرورة.

” أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات”. والإقبال الرهيب على شراء بنك الأسئلة من الطلاب دون أدنى اهتمام بالتحصيل العلمي نتاج المعرفة بكسل بعض الأساتذة وأنّ الأهم – في نهاية المطاف لجميع الأطراف- هو تحصيل المعدل. هذا أو الجنون بعينه! عليك أن تقرأ كل حرف في كل صفحة لخمسة مواد على الأقل مع تسليماتها واختباراتها وإلاّ لا تحلم بتجاوز المادة بمعدل ممتاز يؤهلك لوظيفة جيدة في خضم المنافسة الجارية في سوق العمل.

المستوى العالي من الضغط لا يمكن بأي حال أن يولِّد الإبداع فضلًا عن قدرتك وبقاء رغبتك في سير ” الميل الإضافي ” لتكون “مميزًا”، وإنّما يولِّد شعورًا بالعجز والاكتفاء بما يجعلني أتجاوز هذا الفصل النحس فقط، وهذا ليس كافيًا أخذًا بالاعتبار رداءة وقدم المناهج وسخافة طرق التدريس.

” ونتيجة كل هذا أنّ إيقاع الدراسات العليا أصبح سريعًا لدرجة لا تسمح بأي إبداع حقيقي، كما أنّ تعدُّد المقررات وغلبة النزعة المعلوماتية على بعض الأساتذة يؤدي إلى نوع من أنواع التشظي. “

يميِّز المسيري بوضوح بين المعرفة المعلوماتية والعلم كما يؤكد أنّ المعرفة لوحدها من دون أي تحليل نقدي أو تفكير قد يكون الجهل أفضل منه.

” فأيُّ طالب في أي جامعة في العالم “يعرف” قدر ما عرفه أرسطو عشرات المرات من ناحية المعلومات، أما من ناحية المقدرة على التحليل والرؤية النقدية التي تصل إلى جوهر الأمور، فالأمر جدُّ مختلف.”
عبد الوهاب المسيري - مفكر وعالم اجتماع مصري مسلم، وهو مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. الذي استطاع من خلالها برأي البعض إعطاء نظرة جديدة موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدماً ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج التفسيرية، أما برأي البعض الآخر فقد كانت رؤيته في موسوعته متحيزة لليهود، ومتعاطفة إلى حد كبير مع مواقفهم تجاه غير اليهود، بل وصفها البعض بأنها تدافع عن اليهود.





❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ اليد الخفية - دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية ❝ ❞ العلمانيه تحت المجهر ❝ ❞ من هو اليهودي ❝ ❞ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المجلد الاول ❝ ❞ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ❝ ❞ اغنيات الى الاشياء الجميله ❝ ❞ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المجلد الثانى ❝ ❞ البروتوكولات واليهودية والصهيونية ❝ ❞ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الفكر العربي بمصر ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ الشبكة العربية للأبحاث والنشر ❝ ❞ تنوير للنشر والإعلام ❝ ❱
من كتب السير و المذكرات التراجم والأعلام - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.


اقتباسات من كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

نبذة عن الكتاب:
رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

2000م - 1445هـ
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَى الله على من بُعث رحمة للعالمين ونورًا للصِّراط المستقيم. بسم الذي جعل الحياة الطيّبة لمن اتبع نبيّه والذلة والهوان والصغار على من خالفه.

يزخرُ التاريخ بالأحداث. يحدث الأمر أولًا ثم يؤثر في أطباع الناس وأفكارهم، أم أنّ أطباع الناس وأفكارهم وتغيُّراتها هي ما تصنع الأحداث؟ في البدء كانت البيضة أم الدجاجة؟ .

لطالما أهمَّت الدوافع الإنسان وكان تساؤله حولها. ما هي الدواعي والأفكار التي تُسيِّر المرء؟ ما حقيقة وكُنه الفكرة التي تدور في العقل البشري التي تجعلنا نتصرف بهذا النحو سواءً كان الفعل فرديًا أم جماعيًا؟.

يعدُّ كتاب “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر لعبد الوهاب المسيري” – مثلما قال- سيرة ذاتية غير موضوعية.. وهنا يكمن سحر الكتاب. باختصار مجحف، هذا الكتاب هو تحليل كامل للأحداث – ومن خلفها الأفكار المُسبِّبة لها، من خاطر الفكرة إلى تبلورها – التي مرت على المسيري في حياته وتحليلاته لها ورأيه في خلفيتها الفكرية ودوافعها النفسية.

هذه المراجعة هي محاولة – محتومٌ عليها بالفشل- تعريف بمجمل كتاب عظيم لمن لا يسعفه وقته لقراءته كاملًا.

حاولتُ في كثير من المواضع ذكر فكرة المسيري بطريقة أخرى لكن يأبى أسلوبه مثيلًا له. ستجد في غالبية المراجعة كلام المسيري مقتبسًا. لذا تلطيفًا لهذا الفشل؛ لنقل إنّ هذه المراجعة “تشويقة” لقراءة هذا الكتاب، لأنّ معرفة الأفكار النهائية لا يُنقص من متعة قراءة تطورها.

دمنهور.. رحابة البساطة

يبدأ المسيري بذكر البيئة التي تكوّنت فيها أفكاره.. أصلُها وبذورها.

كانت في دمنهور نشأته وتعليمه حتّى الثانوية. نشأ في عائلة ميسورة الحال حيث كان والده تاجرًا. تربَّى في مجتمعٍ تقليدي محافظ تحكمه العادات التي يذكر حسنها والتقاليد التي نظمت المجتمع وضبطته. كان – رحمه الله- معجبًا بقوة أمه وحكمتها وارتباطها الوثيق بعائلتها. خلال سيرته وفي أكثر من موضع تناول المسيري شؤون العائلة وبشكل أخص دور الأمِّ فيها، عمل المرأة والمقارنة بين وضعها في الماضي وحاضره. تحليله لكلاَ النموذجين ونظرته المتوازنة والواقعية أدى إلى اعتقاده الجازم أنّ ما كان شريَن أحلاهما مُر لابد من أن يكون لهما ثالث. يقول: ” وأرجو أن لا يفهم من ما أقول أنّني أدعو إلى العودة إلى الماضي..

كل ما أودُّ تأكيده هو أنّ المجتمعات التقليدية كانت تحوي منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها بالضرورة إلى مزيد من السعادة.

كما أودُّ الإشارة أن الأشكال الحضارية الحديثة (عادةً مستوردة) ليست هي الأشكال الحضارية الوحيدة، بل هناك أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئًا، والأهم من هذا أنّها قد تكون أكثر تجذّرًا، وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. ” .

يذكرنا المسيري بالماضي الجميل بحديثه عن بعض ذكريات طفولته.

“كان إيقاع الحياة في دمنهور هادئًا، فكان عندنا دائمًا متسع من الوقت”.

متسع من الوقت.. متسع من الوقت.. يا رب السّماء والأرض متسع من الوقت!

قد تكون الجملة أعلاه عادية في نظر البعض لكنها تشي باستقرار وطمأنينة وسُكون بَترَه القرن الواحد والعشرين. الجميع مشغول.. فعلًا مشغول.. في كلِّ شيء. جميع الأعمار والطبقات والأشخاص مشغولون على الدوام. لهثٌ بلا أيِّ توقف.

يذكر المسيري هذه الحالة بوضوح عندما قال: ” نجد أنّ يوم الإنسان الحديث يبدد تمامًا ويجرد من أي إيقاع إنساني، بل إنّه يهدد الحياة الأسرية ذاتها. “

أولع المسيري بالتاريخ وانشغل به. وسبب هذا الشغف أنّ الانشغال بالتاريخ يجعل المرء يرى حاضره “بحسبانه نقطة يلتقي فيها الماضي والمستقبل، وألاّ يُتصور أنّه عالَم بسيط يمكن اختزاله في قانون أو قانونين، وإنّما يراه من خلال عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز”. تأمل في أبسط الأحداث والعادات الاجتماعية.. سترى الماضي في جوهرها!.

الإسكندرية الزائغة

التحق المسيري بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية لإكمال تعليمه الجامعي. لك أن تتخيَّل النقلة من دمنهور القرية إلى الإسكندرية المصرية بالاسم والموقع فقط وأثرُ ذلك على المسيري. يحكي عن حياة الإسكندرية أنّها “جوٌّ كوزموبوليتاني زائغ لا جذور له يمكن أن يُثري الإنسان ويمكن أن يَبتلعه. “

يذكر المسيري عن جامعة الإسكندرية تنوعها وثراءها الاجتماعي والثقافي إضافةً إلى أنّ” التدريس فيها كان يأخذ شكل محاضرات حقيقية لا دروس إملاء” ” وكانت الأسئلة في الامتحانات تتطلب إجابة يُعمل فيها الإنسان عقله وخياله لا أن يجتر ما قاله الأساتذة من قبل.”

وهنا يأتي تساؤل الغالبية العظمى من طلاب جامعاتنا: ما الجدوى من حضور المحاضرة إن كان جُلُّ ما يفعله المدرس قراءة المنهج؟ القيمة المضافة للمدرّس الجامعي هو ذكر أمور إضافية خارجية مهمة في المجال وإن كان المنهج الدراسي لا يضمّنها.

سبب فقدان الشهادة الجامعية لثقلها في بلادنا وعدم مساواة نفعها لتعبها ومضنتها؛ أنّ التدريس الجامعي أصبح مهزلة باهظة الثمن، وثمنها جزء كبير من ميزانية الدولة ووقت وذهن الطلاب. ثم يأتي نظام تقييم الطلاب الذي لا تنطلق فلسفته من أنّ التعليم عملية مستمرة مستدامة وإنّما عملية عامل الوقت الضيق فيها هو الفيصل، عليك أن تعرف هذا الشهر هذا الموضوع وإن لم تفعل تخسر الدرجة إلى أبد الآبدين.. لا مجال للتَّأسي على ما فات ولا على مُداركة الأخطاء.

المجتمعات الأخرى (الأمريكية أنموذجًا)

أكمل المسيري دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وقصَ بعض ما عاشه هناك لفترة قاربت الخمسة عشر سنة. سياق ما يروي دائمًا يأتي كتأكيد لفكرة طرحها أو مستهل لفكرة سيتناولها. لهذه الآراء ثقلها لأنّه عايش المجتمع الأمريكي وعاش في أرضه مدة ليست بالقصيرة تؤهله ليعطي رأيًا يعتدّ به.

يميِّز المسيري بوضوح بين الفرد الأمريكي والحكومة الأمريكية، وأنّ الفرد الأمريكي بعد سنين طوال من الرأسمالية الطاحنة والإعلام والتضليل أصبح نتاج سياسات حكومته، والمحصِّلة النهائية هي إنسان محاصر بغربته حتى مع نفسه وأقرب المقربين. يقول: “وبرغم حبي لكثير من الأمريكيين (فهو شعب طيب نشيط متفتح الذهن) فإنّي وجدت أنّ النظام المهيمن يُجهض إنسانيتهم، ويخاطب أحط ما في الإنسان. “

تطرق المسيري إلى صراع نفسي يمر به – برأيي- الإنسان الحديث بصفة عامة وليس فقط الفرد الأمريكي. يكمن هذا الصراع في الطريقة التي يختلط بها الحابل بالنابل في تعامل المرء مع من حوله، فوجدانه – دون وعي منه- يتعامل مع زميله في العمل بنفس الطريقة التي يتعاطى بها مع أخيه. عرضٌ وطلب.. أخذ وعطاء. طرفي المعادلة ينبغي أن تتساوى مع الجميع بدون استثناء. كل نداءات البراغماتية المعلنة تبطنت في الوعي وأثمرت إنسانًا يتعامل مع الجميع بعقود سيكولوجية لا إرادية، وسيأتي ذكر هذه المعضلة المدمِّرة لمؤسسة الزواج والتي تقض أصلب أركانها: المودة والرّحمة.

إنّ الفرد الأمريكي يعيش ثنائية حادة: تعاقدية في الحياة العامة على مستوى النموذج المهيمن، و تراحمية في الحياة الخاصة على مستوى الممارسة الشخصية. ولكن هناك مجتمعات تجعل تحقيق مشاعر التراحم أمرًا عسيرًا على المرء ومجتمعات أخرى تيسِّر تحقيقها. وكلما ازداد التناقض بين النموذج والواقع، ازدادت الثنائية إلى أن تتحول إلى استقطاب. وهذا التناقض موجود في الولايات المتحدة بين النموذج التعاقدي من جهة، وحياة الإنسان الفرد المتعينة من جهة أخرى

جامعة كولومبيا..

” وعند وصولي عقدوا للطلبة الدارسين امتحانًا موضوعيًا تكون الإجابة فيه إمّا بنعم أو لا لتحديد مستواهم الثقافي واللغوي. ولكنني مرة أخرى نظرًا لثقتي بنفسي أخبرتهم أنّ الخلل ليس فيَ وإنّما في الامتحان، فهو امتحان سخيف لا يقيس مَقدرات الطالب الحقيقية وإنّما سرعة بديهته واستجابته، وأنّ السرعة غير العمق.

وكانت هذه من أولى المواجهات بيني وبين الحضارة الأمريكية بسذاجتها وأحاديتها وخيلائها.”

يصطدم الراغب بإكمال الدراسات العليا بعدد من الاختبارات المنغصة من هذا النوع. ثم يعرف المرء – رغم إنكاره الطويل إيمانًا بخبرة السابقين- أنّ النظام السائد ربّما وبكل بساطة يكون غير فعال أو موجود لأسباب أخرى ليس التعليم أهمها بالضرورة.

” أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات”. والإقبال الرهيب على شراء بنك الأسئلة من الطلاب دون أدنى اهتمام بالتحصيل العلمي نتاج المعرفة بكسل بعض الأساتذة وأنّ الأهم – في نهاية المطاف لجميع الأطراف- هو تحصيل المعدل. هذا أو الجنون بعينه! عليك أن تقرأ كل حرف في كل صفحة لخمسة مواد على الأقل مع تسليماتها واختباراتها وإلاّ لا تحلم بتجاوز المادة بمعدل ممتاز يؤهلك لوظيفة جيدة في خضم المنافسة الجارية في سوق العمل.

المستوى العالي من الضغط لا يمكن بأي حال أن يولِّد الإبداع فضلًا عن قدرتك وبقاء رغبتك في سير ” الميل الإضافي ” لتكون “مميزًا”، وإنّما يولِّد شعورًا بالعجز والاكتفاء بما يجعلني أتجاوز هذا الفصل النحس فقط، وهذا ليس كافيًا أخذًا بالاعتبار رداءة وقدم المناهج وسخافة طرق التدريس.

” ونتيجة كل هذا أنّ إيقاع الدراسات العليا أصبح سريعًا لدرجة لا تسمح بأي إبداع حقيقي، كما أنّ تعدُّد المقررات وغلبة النزعة المعلوماتية على بعض الأساتذة يؤدي إلى نوع من أنواع التشظي. “

يميِّز المسيري بوضوح بين المعرفة المعلوماتية والعلم كما يؤكد أنّ المعرفة لوحدها من دون أي تحليل نقدي أو تفكير قد يكون الجهل أفضل منه.

” فأيُّ طالب في أي جامعة في العالم “يعرف” قدر ما عرفه أرسطو عشرات المرات من ناحية المعلومات، أما من ناحية المقدرة على التحليل والرؤية النقدية التي تصل إلى جوهر الأمور، فالأمر جدُّ مختلف.” .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَى الله على من بُعث رحمة للعالمين ونورًا للصِّراط المستقيم. بسم الذي جعل الحياة الطيّبة لمن اتبع نبيّه والذلة والهوان والصغار على من خالفه.

يزخرُ التاريخ بالأحداث. يحدث الأمر أولًا ثم يؤثر في أطباع الناس وأفكارهم، أم أنّ أطباع الناس وأفكارهم وتغيُّراتها هي ما تصنع الأحداث؟ في البدء كانت البيضة أم الدجاجة؟ .

لطالما أهمَّت الدوافع الإنسان وكان تساؤله حولها. ما هي الدواعي والأفكار التي تُسيِّر المرء؟ ما حقيقة وكُنه الفكرة التي تدور في العقل البشري التي تجعلنا نتصرف بهذا النحو سواءً كان الفعل فرديًا أم جماعيًا؟.

يعدُّ كتاب “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر لعبد الوهاب المسيري” – مثلما قال- سيرة ذاتية غير موضوعية.. وهنا يكمن سحر الكتاب. باختصار مجحف، هذا الكتاب هو تحليل كامل للأحداث – ومن خلفها الأفكار المُسبِّبة لها، من خاطر الفكرة إلى تبلورها – التي مرت على المسيري في حياته وتحليلاته لها ورأيه في خلفيتها الفكرية ودوافعها النفسية.

هذه المراجعة هي محاولة – محتومٌ عليها بالفشل- تعريف بمجمل كتاب عظيم لمن لا يسعفه وقته لقراءته كاملًا.

حاولتُ في كثير من المواضع ذكر فكرة المسيري بطريقة أخرى لكن يأبى أسلوبه مثيلًا له. ستجد في غالبية المراجعة كلام المسيري مقتبسًا. لذا تلطيفًا لهذا الفشل؛ لنقل إنّ هذه المراجعة “تشويقة” لقراءة هذا الكتاب، لأنّ معرفة الأفكار النهائية لا يُنقص من متعة قراءة تطورها.

دمنهور.. رحابة البساطة

يبدأ المسيري بذكر البيئة التي تكوّنت فيها أفكاره.. أصلُها وبذورها.

كانت في دمنهور نشأته وتعليمه حتّى الثانوية. نشأ في عائلة ميسورة الحال حيث كان والده تاجرًا. تربَّى في مجتمعٍ تقليدي محافظ تحكمه العادات التي يذكر حسنها والتقاليد التي نظمت المجتمع وضبطته. كان – رحمه الله- معجبًا بقوة أمه وحكمتها وارتباطها الوثيق بعائلتها. خلال سيرته وفي أكثر من موضع تناول المسيري شؤون العائلة وبشكل أخص دور الأمِّ فيها، عمل المرأة والمقارنة بين وضعها في الماضي وحاضره. تحليله لكلاَ النموذجين ونظرته المتوازنة والواقعية أدى إلى اعتقاده الجازم أنّ ما كان شريَن أحلاهما مُر لابد من أن يكون لهما ثالث. يقول: ” وأرجو أن لا يفهم من ما أقول أنّني أدعو إلى العودة إلى الماضي..

كل ما أودُّ تأكيده هو أنّ المجتمعات التقليدية كانت تحوي منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها بالضرورة إلى مزيد من السعادة.

كما أودُّ الإشارة أن الأشكال الحضارية الحديثة (عادةً مستوردة) ليست هي الأشكال الحضارية الوحيدة، بل هناك أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئًا، والأهم من هذا أنّها قد تكون أكثر تجذّرًا، وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. ” .

يذكرنا المسيري بالماضي الجميل بحديثه عن بعض ذكريات طفولته.

“كان إيقاع الحياة في دمنهور هادئًا، فكان عندنا دائمًا متسع من الوقت”.

متسع من الوقت.. متسع من الوقت.. يا رب السّماء والأرض متسع من الوقت!

قد تكون الجملة أعلاه عادية في نظر البعض لكنها تشي باستقرار وطمأنينة وسُكون بَترَه القرن الواحد والعشرين. الجميع مشغول.. فعلًا مشغول.. في كلِّ شيء. جميع الأعمار والطبقات والأشخاص مشغولون على الدوام. لهثٌ بلا أيِّ توقف.

يذكر المسيري هذه الحالة بوضوح عندما قال: ” نجد أنّ يوم الإنسان الحديث يبدد تمامًا ويجرد من أي إيقاع إنساني، بل إنّه يهدد الحياة الأسرية ذاتها. “

أولع المسيري بالتاريخ وانشغل به. وسبب هذا الشغف أنّ الانشغال بالتاريخ يجعل المرء يرى حاضره “بحسبانه نقطة يلتقي فيها الماضي والمستقبل، وألاّ يُتصور أنّه عالَم بسيط يمكن اختزاله في قانون أو قانونين، وإنّما يراه من خلال عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز”. تأمل في أبسط الأحداث والعادات الاجتماعية.. سترى الماضي في جوهرها!.

الإسكندرية الزائغة

التحق المسيري بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية لإكمال تعليمه الجامعي. لك أن تتخيَّل النقلة من دمنهور القرية إلى الإسكندرية المصرية بالاسم والموقع فقط وأثرُ ذلك على المسيري. يحكي عن حياة الإسكندرية أنّها “جوٌّ كوزموبوليتاني زائغ لا جذور له يمكن أن يُثري الإنسان ويمكن أن يَبتلعه. “

يذكر المسيري عن جامعة الإسكندرية تنوعها وثراءها الاجتماعي والثقافي إضافةً إلى أنّ” التدريس فيها كان يأخذ شكل محاضرات حقيقية لا دروس إملاء” ” وكانت الأسئلة في الامتحانات تتطلب إجابة يُعمل فيها الإنسان عقله وخياله لا أن يجتر ما قاله الأساتذة من قبل.”

وهنا يأتي تساؤل الغالبية العظمى من طلاب جامعاتنا: ما الجدوى من حضور المحاضرة إن كان جُلُّ ما يفعله المدرس قراءة المنهج؟ القيمة المضافة للمدرّس الجامعي هو ذكر أمور إضافية خارجية مهمة في المجال وإن كان المنهج الدراسي لا يضمّنها.

سبب فقدان الشهادة الجامعية لثقلها في بلادنا وعدم مساواة نفعها لتعبها ومضنتها؛ أنّ التدريس الجامعي أصبح مهزلة باهظة الثمن، وثمنها جزء كبير من ميزانية الدولة ووقت وذهن الطلاب. ثم يأتي نظام تقييم الطلاب الذي لا تنطلق فلسفته من أنّ التعليم عملية مستمرة مستدامة وإنّما عملية عامل الوقت الضيق فيها هو الفيصل، عليك أن تعرف هذا الشهر هذا الموضوع وإن لم تفعل تخسر الدرجة إلى أبد الآبدين.. لا مجال للتَّأسي على ما فات ولا على مُداركة الأخطاء.

المجتمعات الأخرى (الأمريكية أنموذجًا)

أكمل المسيري دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وقصَ بعض ما عاشه هناك لفترة قاربت الخمسة عشر سنة. سياق ما يروي دائمًا يأتي كتأكيد لفكرة طرحها أو مستهل لفكرة سيتناولها. لهذه الآراء ثقلها لأنّه عايش المجتمع الأمريكي وعاش في أرضه مدة ليست بالقصيرة تؤهله ليعطي رأيًا يعتدّ به.

يميِّز المسيري بوضوح بين الفرد الأمريكي والحكومة الأمريكية، وأنّ الفرد الأمريكي بعد سنين طوال من الرأسمالية الطاحنة والإعلام والتضليل أصبح نتاج سياسات حكومته، والمحصِّلة النهائية هي إنسان محاصر بغربته حتى مع نفسه وأقرب المقربين. يقول: “وبرغم حبي لكثير من الأمريكيين (فهو شعب طيب نشيط متفتح الذهن) فإنّي وجدت أنّ النظام المهيمن يُجهض إنسانيتهم، ويخاطب أحط ما في الإنسان. “

تطرق المسيري إلى صراع نفسي يمر به – برأيي- الإنسان الحديث بصفة عامة وليس فقط الفرد الأمريكي. يكمن هذا الصراع في الطريقة التي يختلط بها الحابل بالنابل في تعامل المرء مع من حوله، فوجدانه – دون وعي منه- يتعامل مع زميله في العمل بنفس الطريقة التي يتعاطى بها مع أخيه. عرضٌ وطلب.. أخذ وعطاء. طرفي المعادلة ينبغي أن تتساوى مع الجميع بدون استثناء. كل نداءات البراغماتية المعلنة تبطنت في الوعي وأثمرت إنسانًا يتعامل مع الجميع بعقود سيكولوجية لا إرادية، وسيأتي ذكر هذه المعضلة المدمِّرة لمؤسسة الزواج والتي تقض أصلب أركانها: المودة والرّحمة.

إنّ الفرد الأمريكي يعيش ثنائية حادة: تعاقدية في الحياة العامة على مستوى النموذج المهيمن، و تراحمية في الحياة الخاصة على مستوى الممارسة الشخصية. ولكن هناك مجتمعات تجعل تحقيق مشاعر التراحم أمرًا عسيرًا على المرء ومجتمعات أخرى تيسِّر تحقيقها. وكلما ازداد التناقض بين النموذج والواقع، ازدادت الثنائية إلى أن تتحول إلى استقطاب. وهذا التناقض موجود في الولايات المتحدة بين النموذج التعاقدي من جهة، وحياة الإنسان الفرد المتعينة من جهة أخرى

جامعة كولومبيا..

” وعند وصولي عقدوا للطلبة الدارسين امتحانًا موضوعيًا تكون الإجابة فيه إمّا بنعم أو لا لتحديد مستواهم الثقافي واللغوي. ولكنني مرة أخرى نظرًا لثقتي بنفسي أخبرتهم أنّ الخلل ليس فيَ وإنّما في الامتحان، فهو امتحان سخيف لا يقيس مَقدرات الطالب الحقيقية وإنّما سرعة بديهته واستجابته، وأنّ السرعة غير العمق.

وكانت هذه من أولى المواجهات بيني وبين الحضارة الأمريكية بسذاجتها وأحاديتها وخيلائها.”

يصطدم الراغب بإكمال الدراسات العليا بعدد من الاختبارات المنغصة من هذا النوع. ثم يعرف المرء – رغم إنكاره الطويل إيمانًا بخبرة السابقين- أنّ النظام السائد ربّما وبكل بساطة يكون غير فعال أو موجود لأسباب أخرى ليس التعليم أهمها بالضرورة.

” أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات”. والإقبال الرهيب على شراء بنك الأسئلة من الطلاب دون أدنى اهتمام بالتحصيل العلمي نتاج المعرفة بكسل بعض الأساتذة وأنّ الأهم – في نهاية المطاف لجميع الأطراف- هو تحصيل المعدل. هذا أو الجنون بعينه! عليك أن تقرأ كل حرف في كل صفحة لخمسة مواد على الأقل مع تسليماتها واختباراتها وإلاّ لا تحلم بتجاوز المادة بمعدل ممتاز يؤهلك لوظيفة جيدة في خضم المنافسة الجارية في سوق العمل.

المستوى العالي من الضغط لا يمكن بأي حال أن يولِّد الإبداع فضلًا عن قدرتك وبقاء رغبتك في سير ” الميل الإضافي ” لتكون “مميزًا”، وإنّما يولِّد شعورًا بالعجز والاكتفاء بما يجعلني أتجاوز هذا الفصل النحس فقط، وهذا ليس كافيًا أخذًا بالاعتبار رداءة وقدم المناهج وسخافة طرق التدريس.

” ونتيجة كل هذا أنّ إيقاع الدراسات العليا أصبح سريعًا لدرجة لا تسمح بأي إبداع حقيقي، كما أنّ تعدُّد المقررات وغلبة النزعة المعلوماتية على بعض الأساتذة يؤدي إلى نوع من أنواع التشظي. “

يميِّز المسيري بوضوح بين المعرفة المعلوماتية والعلم كما يؤكد أنّ المعرفة لوحدها من دون أي تحليل نقدي أو تفكير قد يكون الجهل أفضل منه.

” فأيُّ طالب في أي جامعة في العالم “يعرف” قدر ما عرفه أرسطو عشرات المرات من ناحية المعلومات، أما من ناحية المقدرة على التحليل والرؤية النقدية التي تصل إلى جوهر الأمور، فالأمر جدُّ مختلف.”

 

عبد الوهاب محمد المسيري (أكتوبر 1938 - 3 يوليو 2008)، مفكر وعالم اجتماع مصري مسلم، وهو مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. الذي استطاع من خلالها برأي البعض إعطاء نظرة جديدة موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدماً ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج التفسيرية، أما برأي البعض الآخر فقد كانت رؤيته في موسوعته متحيزة لليهود، ومتعاطفة إلى حد كبير مع مواقفهم تجاه غير اليهود، بل وصفها البعض بأنها تدافع عن اليهود.

شهادات تقدير وجوائز محلية ودولية
شهادة تقدير من رابطة المفكرين الإندونسيين (1994).
شهادة تقدير من جامعة القدس بفلسطين المحتلة (1995).
شهادة تقدير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (1996).
(1996)(بالإنجليزية: International Educators' Hall of Fame)‏.
شهادة تقدير من نقابة أطباء القاهرة (1997).
شهادة تقدير من محافظة البحيرة (1998).
شهادة تقدير من اتحاد الطلبة الإندونسيين (1999).
شهادة تقدير من كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (1999).
شهادة تقدير من جريدة آفاق عربية بالقاهرة (1999).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء البحيرة (1999).
جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل (2000).
جائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب رحلتي الفكرية (2001).
شهادة تقدير من منظمة فتح الفلسطينية (2001).
جائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء مصر السابع عشر في الإسكندرية (2002).
شهادة تقدير من نقابة الأطباء العرب (2003).
جائزة سوزان مبارك أحسن كاتب لأدب الطفل (2003)
جائزة أستاذ الجيل من جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي الخامسة بمملكة البحرين (2007)
مقالات في الجرائد والمجلات والحوليات
كتب الدكتور المسيري شتى المقالات باللغتين العربية والإنجليزية: الأهرام ـ الحياة ـ الشرق الأوسط ـ الشعب ـ منبر الشرق ـ الإنسان ـ قراءات سياسية ـ شئون فلسطينية ـ العربي.

New York Times - Journal of Arabic Studies - مجلة الدراسات الفلسطينية - Al-Ahram Weekly, etc. وفي جرائد ومجلات وحوليات عربية وبريطانية وأمريكية أخرى.

المحاضرات والمؤتمرات
محاضرات عن اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل ـ الحضارة الغربية ـ الأدب الإنجليزي ـ الهوية العربية ـ العولمة... إلخ (كل أنحاء العالم). حضر عدة مؤتمرات وكان المتحدث الرئيسي في بعضها.

وفاته
توفي فجر يوم الخميس 29 جمادى الآخرة 1429 هـ الموافق 3 يوليو/تموز 2008 بمستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر ناهز السبعين عامًا بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وشيعت جنازته ظهرا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة. وشارك في صلاة الجنازة آلاف المصريين، إضافة إلى عشرات العلماء والمفكرين، وعلى رأسهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والمفكر المصري المعروف فهمي هويدي والدكتور محمد سليم العوا والداعية عمرو خالد. و دفن في مدينه دمنهور .


رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار هي سيرة ذاتية تصف المشوار الفكري للكاتب والمفكر عبد الوهاب المسيري، لم يلتزم فيها الكاتب في سردها بالتسلسل الزمني لأحداث حياته.

تقسيم الكتاب
يقع الكتاب في جزئين: "التكوين" و"عالم الفكر"

الجزء الأول: التكوين
الفصل الأول: البذور الأولي فيه تكلم المسيري عن نشأته في دمنهور لأسرة برجوازية، يحوي تأريخا بسيطا لبعض مظاهر الحياة في ما أسماه بالمجتمع التراحمي حيث تعلوا العلاقات الإنسانية بين الأفراد علي المصالح والمكاسب المادية.

الفصل الثاني: بدايات الهوية ويتحدث عن انتقال الكاتب إلي الإسكندرية للالتحاق بالدراسة الجامعية بجامعة الإسكندرية، ويسرد توجهاته الماركسية في تلك الحقبة.

الفصل الثالث: في الولايات المتحدة يتحدث عن بعثته للولايات المتحدة وبعض مظهر الحياة الأكاديمية هناك، وبعض الشخصيات التي تعرف إليها، وتوجهاتهم الفكرية آنذاك.

الفصل الرابع: من بساطة المادية إلي رحابة الإنسانية والإيمان

الجزء الثاني: عالم الفكر
الفصل الأول: النماذج الإدراكية والتحليلية

الفصل الثاني: بعض الثمرات الأولي

الفصل الثالث: الصهيونية

الفصل الرابع: الموسوعة - تاريخها

الفصل الخامس: في عالم الأدب والفن

 أصدرت دار الشروق طبعة جديدة من السيرة الممتعة للمفكر الكبير الدكتور . يرصد تحولاته الفردية في الفكر والمنهج ويؤرخ، فى الوقت نفسه، لجيل بأكمله، أو لقطاع منه. فتحولات صاحب هذه السيرة ليست بأى حال منبتة الصلة بما كان يحدث حوله.

 ومن هذا المنظور، تصبح أحداث حياة المؤلف لا أهمية لها فى حد ذاتها، وإنما تكمن أهميتها فى مدى ما تلقيه من ضوء على تطوره الفكرى. وقد فهم المؤلف كثيرًا من أحداث حياته الخاصة (الذاتية) من خلال نفس الموضوعات الأساسية الكامنة والمقولات التحليلية التى استخدمها فى دراساته وأبحاثه (الموضوعية)، وليس العكس.

ولكن هذه الرحلة الفكرية، مع هذا، هى رحلة المؤلف الفردية، فهو الذى تفاعل مع ما حوله من تجارب منذ أن وُلد فى دمنهور ونشأ فيها إلى أن انتقل إلى الإسكندرية ومنها إلى نيويورك ثم أخيرًا إلى القاهرة حيث استقر به المقام. فإذا كانت هذه الرحلة الفكرية، سيرة غير ذاتية، فهى أيضًا سيرة غير موضوعية، سيرة إنسان يلتقي فى فضاء حياته الخاص بالعام، ولهذا فهو لا يذكر القضايا الفكرية المجردة وحسب، وإنما يشفعها دائمًا بأحداث من حياته أو اقتباسات من كتاباته تبين كيف ترجمت القضية الفكرية (العامة) نفسها إلى أحداث ووقائع محددة فى حياته الشخصية (الخاصة) وذلك بأسلوب المؤلف السلس والعميق والساخر. وهذه الطبعة الجديدة تتميز بعض الإضافات وأهمهما ملحق صور كبير يتناول رحلة المؤلف ومحطات حياته المختلفة. 



سنة النشر : 2000م / 1421هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 19.8 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
عبد الوهاب المسيري - Abdelwahab Elmessiri

كتب عبد الوهاب المسيري مفكر وعالم اجتماع مصري مسلم، وهو مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. الذي استطاع من خلالها برأي البعض إعطاء نظرة جديدة موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدماً ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج التفسيرية، أما برأي البعض الآخر فقد كانت رؤيته في موسوعته متحيزة لليهود، ومتعاطفة إلى حد كبير مع مواقفهم تجاه غير اليهود، بل وصفها البعض بأنها تدافع عن اليهود. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ اليد الخفية - دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية ❝ ❞ العلمانيه تحت المجهر ❝ ❞ من هو اليهودي ❝ ❞ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المجلد الاول ❝ ❞ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ❝ ❞ اغنيات الى الاشياء الجميله ❝ ❞ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المجلد الثانى ❝ ❞ البروتوكولات واليهودية والصهيونية ❝ ❞ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الفكر العربي بمصر ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ الشبكة العربية للأبحاث والنشر ❝ ❞ تنوير للنشر والإعلام ❝ ❱. المزيد..

كتب عبد الوهاب المسيري
الناشر:
دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان
كتب دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان دار الشروق أحد دور النشر العربية. وهي ناشر عام للكتب السياسية والسير والمذكرات وكتب التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية والدين والفكر القومي والكتب الفنية المصورة وكتب الأطفال. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ مختصر النحو ❝ ❞ تاجر البندقية ❝ ❞ تراب الماس ❝ ❞ السيرة النبوية المشرفة ❝ ❞ المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق ❝ ❞ جسمك كيف يعمل رحلة داخل جسم الإنسان ❝ ❞ حول العالم فى 200 يوم ❝ ❞ الذين عادوا إلى السماء ❝ ❞ هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب ❝ ❞ لعنة الفراعنة وشيء وراء العقل ❝ ❱.المزيد.. كتب دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان